من بين الأسماء الغنائية التي غادرت المنطقة الضبابية او المعتمة التي يقيم فيها معظم خريجي برنامج «ستار اكاديمي» المغنية شذا حسون. أسباب عدة جعلتها تحتل المرتبة الأولى في البرنامج، أولها الصوت الجميل، وثانيها الذكاء، اضافة الى حياتها الغنية وشخصيتها الغنائية. فالذكاء مع الصوت الجميل، جناحان حقيقيان يطير بهما صاحب الموهبة. ولا يطير بأحدهما أبداً إلا ليقع... بعد قليل. الذكاء نفسه الحاضر في تجربة شذا حسون غائب في تجارب زملائها، أو معظمهم، لذلك حضرت في الإعلام والنجومية اكثر من غيرها. والأهم انها حملت من بلدها العراق، الإرادة القوية، ومن إقامتها في المغرب الليونة والإنسانية، ومن وجودها في لبنان الحيوية، فأصبحت شذا حسون التي نعرفها، اي مزيجاً من اللباقة والإصرار والبحث عن الذات بالجديد الفني لا بتقليد الأخريات.
هذه هي النقطة الأبرز في تجربة حسون. عدم تقليد غيرها. صحيح ان الأغاني «الشبابية» في العالم العربي هي في غالبيتها متشابهة مستنسخة، ومن يهدف الى تمييز نفسه فنياً يتعب لغياب الخيارات. لقد اكتسبت شذا حسون خبرة «عاجلة» ومعرفة دقيقة في ما يليق بصوتها ان تغني، وما يجب ان تبتعد عنه، وقد وفقت في اختيار اكثر من أغنية ناجحة ليس على المستوى الشعبي فقط، بل ايضاً على المستوى الفني. ومع ان أغنيتها التي اشتهرت باسم «يتحرش بي» وأثارت ذلك اللغط الإعلامي، كان بإمكان شذا «الاستفادة» منها اكثر فأكثر اعلامياً كما يفعل اغلب نجوم الغناء عندما تهز كلمة او اكثر من كلمات أغانيهم شباك المعاني الاجتماعية السائدة، لكنها رفضت ذلك ونأت بنفسها عن اللغط وعن «التحليلات» الصاعدة والهابطة، وبررت كلمة «يتحرش» بما يناسب من واقع الكلمة بالمعنى العراقي اي «المغازلة» البريئة. ونقطة على السطر.
في صوت شذا مساحات من الشحن والعاطفة والطاقة التعبيرية، والقوة الحقيقية غير المصطنعة. في علم الأصوات هناك قوة يسمونها «مستعارة» موجودة لدى معظم الأصوات ويتصرف بها المغني عند «الحاجة»، اما شذا فالقوة في صوتها حقيقية: في الطبقة العليا هناك نسيج متكامل من الإداء، وفي الطبقة الدنيا هناك ثبات، اما الطبقة الوسطى فهي الحنان الخالص والدفء الخالص، بهذا تأخذ موقعاً يجعلها محط أنظار المستقبل الغنائي بما تملك من الموهبة، وبما يتوقع لها من الحضور والتأثير. وإذا كانت الساحة الغنائية العربية مفتوحة حالياً على ما هب ودب، بل من دب وهب، فإن في شذا أملاً طيباً ينبغي ان يجد حضناً دافئاً من مكانين:
الأول هو اهتمام الشركة الإنتاجية. فالشركة الإنتاجية اذا وجدت ولم تكن تهتم فإنها لا تفعل شيئاً جدياً. الاهتمام يعني الانصراف الى تكوين عالم حقيقي حول الفنان... من الأغنية الى التسويق الى الرعاية المادية والمعنوية.
والثاني هو الإعلام الذي لا يجوز ان يتعامل مع الموهبة الكبيرة كما يتعامل مع اي موهبة عادية. وما ينطبق على بعض المغنين والمغنيات من «شروط» البث الإذاعي أو العرض التلفزيوني لا يفترض ان ينطبق على الأصوات الخلاقة. وشذا حسون من الأصوات الخلاق